غزة / معتز شاهين :
يتصدر معبر رفح، الذي يعد شريان الأمل للمرضى والجرحى في قطاع غزة، قائمة الأولويات في ظل الأزمة الصحية المتفاقمة التي يعاني منها القطاع بسبب حرب الإبادة «الإسرائيلية» التي استمرت 15 شهراً.
ويواجه المرضى والجرحى، وخاصة أولئك الذين يعانون من حالات صحية حرجة، صعوبة بالغة في تلقي العلاج اللازم، نتيجة تدمير المستشفيات ونقص الإمكانيات الطبية، مما يجعل معبر رفح بمثابة البوابة الوحيدة التي يمكن أن تنقذ أرواح العديد من المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية متخصصة في الخارج.
وبدعم أمريكي، ارتكبت «إسرائيل» بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلّفت أكثر من 159 ألف شهيد وجريح ، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
وأعرب عدد من المواطنين الجرحى والمرضى في قطاع غزة الذين يعانون من أمراض خطيرة عن حاجتهم الملحة للسفر إلى الخارج لتلقي العلاج المتخصص.
وأكدوا في أحاديث منفصلة مع صحيفة «الاستقلال»، الأحد، أن معبر رفح يمثل الأمل الوحيد لعلاجهم، في ظل الأوضاع الصحية المتدهورة وتدمير المنظومة الصحية في القطاع، مناشدين الجهات المعنية بالإسراع في الإجراءات وتقليص الوقت المستغرق للحصول على التصاريح اللازمة للسفر.
وللمرّة الأولى منذ إغلاق معبر رفح البري مع مصر عقب احتلاله من قوات الاحتلال الإسرائيلي في أوائل شهر مايو/ أيار الماضي، في إطار الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على قطاع غزة، غادر أول أمس السبت عدد من المرضى والجرحى الأطفال إلى مصر لتلقّي العلاج في مستشفياتها.
أعلنت منظمة الصحة العالمية، أول أمس السبت، إجلاء 37 مريضا من قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي معظمهم أطفال فلسطينيون لتلقي العلاج في مستشفيات مصرية.
وقال الأمين العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في منشور عبر منصة “إكس” السبت، “بدعم من الصحة العالمية وشركائنا، عبر السبت، 37 مريضا هم 34 طفلا و3 بالغين، برفقة 39 مرافقا، من غزة عبر معبر رفح لمواصلة تلقي العلاج في مصر”.
فيما أفادت مصادر إعلامية أمس الاحد، بمغارة 46 مريضًا وجريحًا ومرافقيهم من قطاع غزة في ثاني أيام عمل معبر رفح البري. وفي يوم الجمعة، أعلن الاتحاد الأوروبي استئناف عمل بعثته المدنية في معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر، ما يسمح بنقل الفلسطينيين المحتاجين إلى رعاية طبية إلى الخارج.
الوقت ينفد
بطء الإجراءات والبروتوكولات المعمول بها في سفر المرضى بات يهدد حياتهم بالموت، ما دفع الجريح إياد أبو يوسف (36 عامًا) من مخيم النصيرات إلى كسر صمته قائلاً: «حالتي الصحية خطيرة للغاية ولا تحتمل الانتظار، أنا بحاجة ماسة للسفر إلى الخارج لتلقي العلاج، خاصة وأن مستشفيات القطاع لا تستطيع تقديم العلاج لي بعد تدميرها من قبل الاحتلال.»
ويضيف أبو يوسف، الذي أصيب بشظية في رأسه نتيجة قصف منزلهم في النصيرات، لـ»الاستقلال»: «تم فتح معبر رفح يوم السبت الماضي وغادرت أول دفعة للسفر، لكن عددها كان قليلاً وهذا يعني أننا بحاجة إلى شهور طويلة حتى نتمكن من السفر، وهذا يشكل خطرًا على بقائي على قيد الحياة».
حال الجريح أبو يوسف لم يختلف كثيرًا عن حال محمد نصار (26 عامًا) من دير البلح، الذي تعرض هو الآخر لإصابة خطيرة في قدمه اليمنى بعد استهداف الاحتلال خيمة كانت تؤوي نازحين في محيط مستشفى شهداء الأقصى يوم الثالث عشر من أكتوبر عام 2024. أسفر القصف عن ارتقاء 5 شهداء وإصابة 20 آخرين.
ويقول نصار لـ «الاستقلال»: «لدي إصابة في قدمي اليمنى، وقد أجمع الأطباء في مستشفى شهداء الأقصى على ضرورة سفري عاجلاً لاستكمال علاجي في الخارج، هناك خطورة بالغة على قدمي أذا تأخر علاجي، وحالتي الصحية لا تحتمل تأخير أي إجراءات.»
العلاج المفقود
في السياق، قال مدير شبكة المنظمات الأهلية، أمجد الشوا، إن تقديرات وزارة الصحة تشير إلى أن هناك حوالي 25 ألف مريض وجريح في قطاع غزة بحاجة ماسة للعلاج في الخارج، من بين هؤلاء، 12,500 حالة تستدعي الإخلاء الفوري لتلقي العلاج وإنقاذ حياتهم.
وأضاف الشوا لـ»الاستقلال»، أمس الأحد، أن العديد من المرضى والجرحى قد تفاقمت حالتهم في الفترة الأخيرة بسبب نقص الإمكانيات الطبية، وتأخر فتح معبر رفح البري يؤثر سلبًا على صحتهم النفسية والاجتماعية.
وأشار الشوا إلى أن بعض الحالات قد تدهورت حالتها الصحية إلى درجة الإصابة بإعاقات دائمة بسبب غياب العلاج المناسب في القطاع خصوصًا في حالات مرضى السرطان والفشل الكلوي الذين يحتاجون إلى تدخلات جراحية عاجلة.
وأوضح أن مؤسسات المجتمع المدني في غزة، بما في ذلك النقاط الطبية والمستشفيات الميدانية التابعة للمؤسسات الأهلية، تقوم بتقديم الرعاية الأولية والمتابعة الطبية للمرضى، إلا أن الحل الجذري يكمن في نقل هؤلاء الجرحى إلى مستشفيات متخصصة في الخارج.
ودعا مدير شبكة المنظمات الأهلية منظمة الصحة العالمية إلى تكثيف جهودها بالتواصل مع الدول المعنية لاستقبال المرضى، مشددًا على ضرورة تسهيل إجراءات سفرهم لتجنب المخاطر التي تهدد حياتهم في ظل الظروف الصحية القاسية في غزة.
حكم بالإعدام
من جهته قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة د. إسماعيل الثوابتة، إن أكثر من 110 آلاف جريح في قطاع غزة بحاجة ماسة إلى أكثر من نصف مليون عملية جراحية، وهو ما بات مستحيلاً في ظل الحصار المستمر.
وأوضح الثوابتة في حديث لـ «الاستقلال»، الاحد، أن العديد من الجرحى في غزة يواجهون خطر الموت إذا لم يتم سفرهم بشكل عاجل لتلقي العلاج بالخارج.
وأشار، إلى التدمير الكامل لأكثر من 34 مستشفى في القطاع، إلى جانب استشهاد أكثر من 1060 من الأطباء والعاملين الطبيين جراء الاستهداف المباشر للمرافق الصحية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مضيقاً» أن القطاع يعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية والمعدات اللازمة لإجراء العمليات الجراحية الضرورية».
وحذر الثوابتة من أن استمرار إغلاق المعابر أو عملها بشكل محدود يشكل حكمًا بالإعدام على آلاف الأبرياء الذين يعانون من إصابات بليغة وأمراض خطيرة تتطلب تدخلًا طبيًا عاجلًا، مطالباً بفتح ممرات آمنة لنقل الجرحى وتوفير الدعم الطبي دون أي عوائق.
ولفت إلى أن النظام الجديد الذي وضعته وزارة الصحة الفلسطينية ومنظمة الصحة العالمية لتحويل المرضى والجرحى إلى العلاج في الخارج يواجه تحديات كبيرة بسبب القيود التي تفرضها قوات الاحتلال، مما يعوق سفر الحالات الحرجة ويعرض حياتهم للخطر.
ودعا مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة المجتمع الدولي إلى الضغط على الاحتلال لفتح المعابر وإدخال المعدات الطبية والأدوية لتخفيف معاناة المرضى في غزة.
التعليقات : 0